طالت المقاهي والمحال التجارية.. حملة جديدة لتقييد الحريات الاجتماعية في إيران
طالت المقاهي والمحال التجارية.. حملة جديدة لتقييد الحريات الاجتماعية في إيران
اتخذت السلطات الإيرانية خطوة جديدة ضمن حملة متصاعدة لتقييد الحريات الاجتماعية، بعد أن أغلقت صفحة "إنستغرام" الخاصة بعلامة الملابس "جين وست" وأحد فروعها في العاصمة طهران، إثر تنظيم حفل مختلط اعتُبر مخالفاً للآداب العامة.
وأكدت وسائل إعلام محلية أن الفرع الكائن في شارع فرشته تم إغلاقه يوم السبت الماضي، بعد تداول مقاطع فيديو من الحفل الذي أُقيم قبل يوم واحد، وذلك بأمر مباشر من الشرطة، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الجمعة.
وذكرت منصة "آسيانيوز إيران" أن الخطوة لا تندرج ضمن إجراء مؤقت، بل تأتي ضمن حملة رسمية أوسع تهدف إلى "فرض السيطرة على الفضاء الاجتماعي، ومكافحة استعراض الثروة، وتطبيق القوانين بشكل أكثر صرامة".
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات تحمل رسائل سياسية واجتماعية مزدوجة، تسعى من خلالها السلطات إلى إحكام قبضتها على الحياة العامة، وممارسة الرقابة الأخلاقية والسياسية عبر الاقتصاد.
الضغط الاقتصادي والأمني
تصاعدت في الأسابيع الأخيرة الضغوط الحكومية على أصحاب المقاهي والمحال في مختلف المدن الإيرانية، خاصة بعد نشر مقاطع فيديو تُظهر حفلات موسيقية أو مختلطة اعتُبرت مخالفة لقانون الحجاب الإجباري.
وفي إحدى أبرز الحوادث، أعلن المدعي العام في جزيرة كيش عن فتح تحقيق واعتقال منظمي حفل عُرف بـ"قهوة بارتي"، بعد انتشاره على شبكات التواصل الاجتماعي.
وقالت إحدى صاحبات المقاهي لقناة "إيران إنترناشيونال" إن السلطات تفرض في كثير من الأحيان كفالات مالية ضخمة على المعتقلين، وتمنعهم من العمل مجدداً، مشيرة إلى أن جيل الشباب و"جيل زد" أصبح هدفاً رئيسياً لحملات المراقبة.
وأضافت أن "القوات الأمنية تتعامل بصرامة أكبر مع الفعاليات التي تجمع الشباب، لأن النظام يخشى من تحوّلها إلى مساحات للتعبير والتمرد الاجتماعي".
الاعتراف القسري والعقاب
انتشرت في الأشهر الأخيرة مقاطع مصوّرة لأصحاب مقاهٍ في مدن مثل دزفول وقم، يظهرون فيها وهم يعتذرون علناً أمام السلطات بسبب إقامة حفلات موسيقية أو رقص مختلط، فيما شبّه ناشطون هذه الاعتذارات بـ"اعترافات قسرية" تهدف إلى ترهيب المجتمع المدني.
وأكد موظف في أحد المقاهي بطهران أن السلطات "تحاول عبر الإغلاق والتهديد تحويل المواطنين إلى أدوات رقابة على أنفسهم"، مضيفاً أن هذه السياسة "تخلق حالة من الخوف الجماعي وتكميم الحياة العامة".
ولم تقتصر عمليات الإغلاق على القضايا الأخلاقية فحسب، بل استخدمتها الحكومة أيضاً كوسيلة للانتقام السياسي، فبحسب معلومات حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، أُغلقت بعض المشاريع التجارية بسبب النشاط السياسي لأصحابها أو أقاربهم، بناءً على أوامر من جهات أمنية في طهران.
التحدي والرفض الشعبي
يستذكر مراقبون ما حدث في ديسمبر 2022، حين أغلقت السلطات عشرات المتاجر في مناطق كردستان، مثل إيلام وكرمانشاه وسنندج، بسبب مشاركة أصحابها في إضرابات احتجاجية ضمن موجة "المرأة، الحياة، الحرية".
وقال موظف في أحد مقاهي مشهد إن "النظام يعتقد أن الإغلاقات والاعتقالات ستردع الآخرين، لكنها في الواقع زادت من حجم التحدي والرفض الشعبي"، مضيفاً بلهجة ساخرة: "العملاق خرج من مصباحه السحري ولن يعود إليه".
وتُظهر حسابات المواطنين على منصات مثل "إكس" و"إنستغرام" حالة من الغليان الشعبي ضد سياسات الإغلاق وقمع النساء.
وتشير كثير من النساء إلى أن الحجاب الإجباري لن يُلغى فعلياً إلا عندما يُسمح لهن بحرية الملبس في الجامعات وأماكن العمل، دون خوف من الاعتقال أو الطرد.
في المقابل، ترى أخريات أن الحكومة لم تتراجع عن فرض الحجاب، لكنها أصبحت عاجزة عن تطبيقه بالقوة أمام شجاعة النساء وتصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
مقاهٍ تتحول إلى رموز حرية
في بلد يعاني من ندرة المساحات الترفيهية وضيق الحريات العامة، أصبحت المقاهي والمطاعم متنفساً للشباب الإيراني، لكن مع تصاعد الضغوط، يخشى محللون من أن تحوّل السلطات لهذه المساحات إلى أهداف أمنية قد يشعل موجة احتجاجات جديدة، كما حدث في 2022.
ويحذر ناشطون من أن استمرار التضييق الاجتماعي قد يقود إلى انفجار غضب شعبي جديد، في ظل الوضع الاقتصادي المنهك وغياب الأفق السياسي.